فصل: الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 8‏)‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر ابن كثير **


 سورة طه

بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏

 الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 8‏)‏

‏{‏ طه ‏.‏ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ‏.‏ إلا تذكرة لمن يخشى ‏.‏ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ‏.‏ الرحمن على العرش استوى ‏.‏ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ‏.‏ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ‏.‏ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ‏}‏

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته‏.‏

روي عن ابن عباس قال‏:‏ ‏{‏طه‏}‏ يا رجل، وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة والضحّاك، وأسند القاضي عياض في كتابه الشفاء عن الربيع بن أنَس، قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏طه‏}‏ يعني طأ الأرض يا محمد هذا التفسير غريب ولم ينكره ابن كثير رحمه اللّه ولم يثبت في أحاديث صحيحة عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقوم على رجل واحدة وإنما ثبت أنه كان يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه، فتفسير طه بمعنى طأها مستبعد، واللّه أعلم ‏{‏ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‏}‏ ثم قال‏:‏ ولا يخفى ما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة، وقوله‏:‏ ‏{‏ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‏}‏ قال الضحّاك‏:‏ لما أنزل اللّه القرآن على رسوله صلى اللّه عليه وسلم قام به هو وأصحابه، فقال المشركون من قريش‏:‏ ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى‏}‏ فليس الأمر كما زعمه المبطلون، بل من آتاه العلم فقد أراد به خيراً كثيراً، كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من يرد اللّه به خيراً يفقهه في الدين‏)‏‏.‏ وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني، عن ثعلبة بن الحكم، قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يقول اللّه تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده، إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد، وثعلبة بن الحكم هو الليثي، نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة‏"‏‏.‏ وقال مجاهد في قوله ‏{‏ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‏}‏ هي كقوله‏:‏ ‏{‏فاقرأوا ما تيسر منه‏}‏ وكانوا يعلقون الحبال بصدروهم في الصلاة‏.‏ وقال قتادة‏:‏ لا واللّه ما جعله شقاء ولكن رحمة ونوراً، ودليلاً إلى الجنة ‏{‏إلا تذكرة لمن يخشى‏}‏ أن اللّه أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب اللّه، وهو ذكر أنزل اللّه فيه حلاله وحرامه، وقوله‏:‏ ‏{‏تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى‏}‏ أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها، وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره، ان سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبعد ما بينها، والتي تليها مسيرة خمسمائة عام‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ المسلك الأسلم طريقة السلف، وهو إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنّة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، وقوله‏:‏ ‏{‏له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى‏}‏ أي الجميع ملكه وفي قبضته، وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه، وهو خالق ذلك ومالكه، وإلهه لا إله سواه، وقوله‏:‏ ‏{‏وما تحت الثرى‏}‏ قال محمد بن كعب‏:‏ أي ما تحت الأرض السابعة، ‏{‏وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى‏}‏ أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلى الذي يعلم السر وأخفى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، إنه كان غفوراً رحيماً‏}‏، قال ابن عباس ‏{‏يعلم السر وأخفى‏}‏ قال‏:‏ السر ما أسره ابن آدم في نفسه، ‏{‏وأخفى‏}‏ ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، فاللّه يعلم ذلك كله، فعلمه فيما مضى من ذلك، وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة، وهو قوله‏:‏ ‏{‏ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة‏}‏‏.‏ وقال الضحّاك ‏{‏يعلم السر وأخفى‏}‏ قال‏:‏ السر ما تحدث به نفسك، وأخفى ما لم تحدث نفسك به بعد‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ أنت تعلم ما تسر اليوم، ولا تعلم ما تسر غداً، واللّه يعلم ما تسر اليوم وما تسر غداً، وقال مجاهد ‏{‏وأخفى‏}‏ يعني الوسوسة، وقال أيضاً ‏{‏وأخفى‏}‏ أي ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه، وقوله‏:‏ ‏{‏الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى‏}‏‏:‏ أي الذي أنزل عليك القرآن هو اللّه الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف وللّه الحمد والمنة‏.‏

 الآية رقم ‏(‏9 ‏:‏ 10‏)‏

‏{‏ وهل أتاك حديث موسى ‏.‏ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ‏}‏

من ههنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى، وكيف كان ابتداء الوحي إليه، وتكليمه إياه، وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، وسار بأهله‏:‏ قيل قاصداً بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته، فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال في برد وشتاء، وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزند معه ليوري ناراً كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً، أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم ‏{‏إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس‏}‏ أي شهاب من نار، وفي الآية الأخرى ‏{‏أو جذوة من النار‏}‏ وهي الجمر الذي معه لهب ‏{‏لعلكم تصطلون‏}‏ دل على وجود البرد، وقوله‏:‏ ‏{‏بقبس‏}‏ دل على وجود الظلام، وقوله‏:‏ ‏{‏أو أجد على النار هدى‏}‏ أي من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق كما قال ابن عباس في قوله ‏{‏أو أجد على النار هدى‏}‏ قال‏:‏ من يهديني إلى الطريق وكانوا شاتين وضلوا الطريق، فلما رأى النار، قال‏:‏ إن لم أجد أحداً يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها‏.‏

 الآية رقم ‏(‏11 ‏:‏ 16‏)‏

‏{‏ فلما أتاها نودي يا موسى ‏.‏ إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ‏.‏ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ‏.‏ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ‏.‏ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ‏.‏ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ‏}‏

يقول تعالى ‏{‏فلما أتاها‏}‏ أي النار واقترب منها ‏{‏نودي يا موسى‏}‏، وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله‏}‏، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏إني أنا ربك‏}‏ أي الذي يكلمك ويخاطبك ‏{‏فاخلع نعليك‏}‏ قيل‏:‏ كانتا من جلد حمار غير ذكي قاله علي بن أبي طالب وغير واحد من السلف ، وقيل إنما أمره بخلع نعليه تعظيماً للبقعة، قال سعيد بن جبير‏:‏ كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة، وقيل ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل، وقيل غير ذلك، واللّه أعلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏طوى‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ هو اسم للوادي، وكذا قال غير واحد، وقيل‏:‏ عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه، والأول أصح كقوله ‏{‏إذ ناده ربه بالوادي المقدس طوى‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وأنا اخترتك‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي‏}‏ أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه، وقد قيل‏:‏ إن اللّه تعالى قال‏:‏ يا موسى أتدري لم اختصصتك بالتكليم من بين الناس‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ لأني لم يتواضع إليَّ أحد تواضعك، وقوله‏:‏ ‏{‏فاستمع لما يوحى‏}‏ أي واستمع الآن ما أقول لك، وأوحيه إليك ‏{‏إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا‏}‏، هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وقوله‏:‏ ‏{‏فاعبدني‏}‏ أي وحدّني وقم بعبادتي من غير شريك، ‏{‏وأقم الصلاة لذكري‏}‏ قيل معناه‏:‏ صلّ لتذكرني، وقيل معناه‏:‏ وأقم الصلاة عند ذكرك لي، ويشهد لهذا الثاني ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن اللّه تعالى قد قال‏:‏ وأقم الصلاة لذكري‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد عن أنَس بن مالك‏"‏‏.‏ وفي الصحيحين عن أنَس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان عن أنَسٍ أيضاً‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الساعة آتية‏}‏‏:‏ أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها‏.‏ وقوله ‏{‏أكاد أخفيها‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي لا أطلع عليها أحداً غيري، وقال السدي‏:‏ ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى اللّه تعالى عنه علم الساعة؛ وهي في قراءة ابن مسعود‏:‏ إني أكاد أخفيها من نفسي، يقول‏:‏ كتمتها من الخلائق، حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت‏.‏ قال قتادة‏:‏ لقد أخفاها اللّه من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، قلت وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة‏}‏ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض‏.‏ وقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏لتجزى كل نفس بما تسعى‏}‏ أي أقيمها لا محالة؛ لأجزي كل عامل بعمله ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏}‏، ‏{‏وإنما تجزون ما كنتم تعملون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها‏}‏ الآية‏.‏ المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين، أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ‏{‏فتردى‏}‏‏:‏ أي تهلك وتعطب، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما يغني عنه ماله إذا تردّى‏}‏‏.‏